من شاب مغربي في الشتات… إلى شباب المغرب. هذا ليس بيانًا سياسيًا، بل شهادة تضامن وملاحظات شخصية، وأفكار من القلب عن الكرامة والأمل في مغربٍ أفضل.
تابعتُ بقلق واعتزاز مظاهراتَي 27 و28 شتنبر. وأودّ أن أُعَبِّر عن كامل تضامني المعنوي مع المتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقَّهم الطبيعي في التعبير عن الرأي في الشارع، في ظل غياب أحزاب ونقابات ومؤسسات قادرة على فتح باب الحوار مع الشباب. لذلك، يبقى التظاهر السلمي في الشارع الحلُّ الممكن. وهذا ما رأيناه أيضًا في حراك العشرين من فبراير وحراك الريف، وغيرها من التظاهرات التي تتعرض للقمع والتجاهل وعدم الاهتمام.
إنهم شباب يطالبون بخدمات أساسية من دورٍ على الدولة أن توفِّرها بالمجان: الصحة والتعليم، والأهم إيجاد آفاق لمستقبل آمن. بدل تبذير المليارات على مهرجانات تلهِي الشعب، وتحويل الفن والرياضة إلى أدوات بروباغاندا.
هذه حقوق إنسانية طبيعية قبل أن تكون حقوقًا منصوصًا عليها في دستور دعا إليه ملك البلاد ووقّع عليه. لكنّ الاعتداءات التي تُمارِسها الشرطة ضد مواطنين سلميين تكشف، من جديد، حقيقة الاستبداد السياسي في المغرب.
إن التعامل مع أفراد سلميين بالضرب والإهانة والطرد من الفضاء العام ليس إلا تأكيدًا على عجز الدولة عن أداء دورها: دورها في الاستماع إلى مطالب المواطنين وتقديم الخدمات الأساسية، كما يحدث لدى دول الشتات المغربي التي تجاوز عدد المهاجرين إليها ستة ملايين في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها من البلدان التي وجدوا فيها مستقبلًا أفضل كأجانب وأنا من بينهم.
هؤلاء الشباب، في غالبيتهم، غير مثقَلين بأطفال ولا بمسؤوليات مادية، ويرون العالم من خلال منصات التواصل الاجتماعي؛ يعرفون أن لهم قوةً كبيرةً وإمكاناتٍ شاسعة، ولديهم تعاطف مع سكان المغرب العميق: المغرب المنسي وجبال الحوز... لذلك لن تنفع معهم ذات أساليب القمع القديمة.
لكن، في رأيي الشخصي، المشكلة أعمق من تدهور الصحة والتعليم. المشكلة الحقيقية هي الاستبداد، وغياب احترام كرامة الإنسان في هذا الوطن.
وأنا على يقينٍ أن التغيير الحقيقي ليس تغييرًا سياسيًا يُفرَض من الأعلى فحسب، بل هو تغيير فكري وثقافي واجتماعي ينبع من الأسفل: من عموم الشعب، من داخل كل فرد. أما التغيير السياسي المفروض من فوق، فلا أؤمن به في بلد لا يضمن حتى المبادئ الأساسية لبناء دولة حديثة: دستورًا شعبيًا، استقلاليةً للقضاء، فصل بين السلطات ، مساواةً قانونية بين الجنسين وبين طبقات الشعب، تمكين الشباب، وإعادةَ الاعتبار للثقافة. كما أؤكّد على ضرورة عدم استغلال الخطاب الإسلامي كغطاء للفساد السياسي، بل الحفاظ على حياد السياسة تجاه الدين.
وإلى الشباب الذين هم أصغر مني، في عمر التمدرس أو في سنوات العشرينيات، أقول: إن أَفضل استثمارٍ من أجل التغيير الحقيقي هو الاستثمار في النفس، في التعليم والمعرفة — تعلّم اللغات، التاريخ، الفلسفة، وسائر العلوم الإنسانية، أو في أي تخصص تختاره من فنون وعلوم وآداب — إضافةً إلى اكتساب المهارات، سواء كانت يدوية أو فكرية.
فإذا لم تجد فرصة عمل في بلدك — بسبب التهميش أو المحسوبية أو الفقر أو الطبقية أو أشكال الاضطهاد — فاعلم أن علمك ومعرفتك سيفتحان لك آفاقًا جديدة في أماكن أخرى؛ فالعالم واسع، وستبقى بذلك قادرًا على التغيير، بدايةً من نفسك، ومن الدائرة الأقرب إليك: عائلتك وأصدقائك. وغدًا، عندما تكسب مكانة اجتماعية أو مسؤوليات إدارية أو وظيفة عمومية، يمكنك أن تطبّق القيم التي تهتف بها الآن: حرية التعبير، كرامة الإنسان، والعدالة الاجتماعية.لكن الآن، يبدو أنه وقت التظاهر، يجب محاسبة المسؤولين المفسدين وكل من لا يؤدي دوره. حان وقت المحاسبة والمطالبة والتعبير بحرية وبدون خوف.
Books Friends (أصدقاء الكتب)
من شاب مغربي في الشتات… إلى شباب المغرب.
هذا ليس بيانًا سياسيًا، بل شهادة تضامن وملاحظات شخصية، وأفكار من القلب عن الكرامة والأمل في مغربٍ أفضل.
تابعتُ بقلق واعتزاز مظاهراتَي 27 و28 شتنبر. وأودّ أن أُعَبِّر عن كامل تضامني المعنوي مع المتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقَّهم الطبيعي في التعبير عن الرأي في الشارع، في ظل غياب أحزاب ونقابات ومؤسسات قادرة على فتح باب الحوار مع الشباب. لذلك، يبقى التظاهر السلمي في الشارع الحلُّ الممكن. وهذا ما رأيناه أيضًا في حراك العشرين من فبراير وحراك الريف، وغيرها من التظاهرات التي تتعرض للقمع والتجاهل وعدم الاهتمام.
إنهم شباب يطالبون بخدمات أساسية من دورٍ على الدولة أن توفِّرها بالمجان: الصحة والتعليم، والأهم إيجاد آفاق لمستقبل آمن. بدل تبذير المليارات على مهرجانات تلهِي الشعب، وتحويل الفن والرياضة إلى أدوات بروباغاندا.
هذه حقوق إنسانية طبيعية قبل أن تكون حقوقًا منصوصًا عليها في دستور دعا إليه ملك البلاد ووقّع عليه. لكنّ الاعتداءات التي تُمارِسها الشرطة ضد مواطنين سلميين تكشف، من جديد، حقيقة الاستبداد السياسي في المغرب.
إن التعامل مع أفراد سلميين بالضرب والإهانة والطرد من الفضاء العام ليس إلا تأكيدًا على عجز الدولة عن أداء دورها: دورها في الاستماع إلى مطالب المواطنين وتقديم الخدمات الأساسية، كما يحدث لدى دول الشتات المغربي التي تجاوز عدد المهاجرين إليها ستة ملايين في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها من البلدان التي وجدوا فيها مستقبلًا أفضل كأجانب وأنا من بينهم.
هؤلاء الشباب، في غالبيتهم، غير مثقَلين بأطفال ولا بمسؤوليات مادية، ويرون العالم من خلال منصات التواصل الاجتماعي؛ يعرفون أن لهم قوةً كبيرةً وإمكاناتٍ شاسعة، ولديهم تعاطف مع سكان المغرب العميق: المغرب المنسي وجبال الحوز... لذلك لن تنفع معهم ذات أساليب القمع القديمة.
لكن، في رأيي الشخصي، المشكلة أعمق من تدهور الصحة والتعليم. المشكلة الحقيقية هي الاستبداد، وغياب احترام كرامة الإنسان في هذا الوطن.
وأنا على يقينٍ أن التغيير الحقيقي ليس تغييرًا سياسيًا يُفرَض من الأعلى فحسب، بل هو تغيير فكري وثقافي واجتماعي ينبع من الأسفل: من عموم الشعب، من داخل كل فرد. أما التغيير السياسي المفروض من فوق، فلا أؤمن به في بلد لا يضمن حتى المبادئ الأساسية لبناء دولة حديثة: دستورًا شعبيًا، استقلاليةً للقضاء، فصل بين السلطات ، مساواةً قانونية بين الجنسين وبين طبقات الشعب، تمكين الشباب، وإعادةَ الاعتبار للثقافة. كما أؤكّد على ضرورة عدم استغلال الخطاب الإسلامي كغطاء للفساد السياسي، بل الحفاظ على حياد السياسة تجاه الدين.
وإلى الشباب الذين هم أصغر مني، في عمر التمدرس أو في سنوات العشرينيات، أقول: إن أَفضل استثمارٍ من أجل التغيير الحقيقي هو الاستثمار في النفس، في التعليم والمعرفة — تعلّم اللغات، التاريخ، الفلسفة، وسائر العلوم الإنسانية، أو في أي تخصص تختاره من فنون وعلوم وآداب — إضافةً إلى اكتساب المهارات، سواء كانت يدوية أو فكرية.
فإذا لم تجد فرصة عمل في بلدك — بسبب التهميش أو المحسوبية أو الفقر أو الطبقية أو أشكال الاضطهاد — فاعلم أن علمك ومعرفتك سيفتحان لك آفاقًا جديدة في أماكن أخرى؛ فالعالم واسع، وستبقى بذلك قادرًا على التغيير، بدايةً من نفسك، ومن الدائرة الأقرب إليك: عائلتك وأصدقائك. وغدًا، عندما تكسب مكانة اجتماعية أو مسؤوليات إدارية أو وظيفة عمومية، يمكنك أن تطبّق القيم التي تهتف بها الآن: حرية التعبير، كرامة الإنسان، والعدالة الاجتماعية.لكن الآن، يبدو أنه وقت التظاهر، يجب محاسبة المسؤولين المفسدين وكل من لا يؤدي دوره. حان وقت المحاسبة والمطالبة والتعبير بحرية وبدون خوف.
تحية وتقدير. 🙏🏼❤️🩹🕊️💐
2 months ago | [YT] | 17