النعناع ليس مجرد نبتة عطرية… بل فكرة تتنفس. لا يصرخ حضوره، بل يتسلل بهدوء إلى الحواس، كما تتسلل الحقيقة إلى القلب دون استئذان. حين تضعه في الماء، لا يقاوم، لا يتشبث بشكله، بل يذوب ليمنح نكهته، كأن المعنى الحقيقي للوجود هو أن تُعطي نفسك للعالم دون خوف من الزوال.
ينمو حيث لا يُزرع، يتكاثر بلا جلبة، يشبه الروح الحرة: لا تسأل عن إذن، ولا تنتظر اعترافًا. لا هو بارد ولا حار، لا حلو ولا مر، بل يسكن في التوازن… في تلك المنطقة التي لا تُرى لكنها تُشعَر.
النعناع يعلمك أن لا تحتاج إلى صخب لتكون عميقًا. يكفي أن تكون نقيًّا. يكفي أن تترك أثرًا طيبًا، ولو بعد الرحيل. هو الفلسفة حين تلبس ثوب النبات، الحكمة حين تختبئ في نكهة… والوجود حين يقرر أن يكون بسيطًا، منعشًا، وخفيفًا كعطرٍ أخضر في مساءٍ صامت.